نيويورك -ظلت “مولات التسوق” الأمريكية سنوات طويلة القلب النابض لتجارة التجزئة وجذبت إليها عملاء بالملايين.
ولكن زحف التجارة الإلكترونية بقيادة شركة أمازون هوى بهذا القطاع في أزمة عميقة.
إن اختفاء المراكز العملاقة للتسوق لن يعني فقط اختفاء ساحات لعب خاصة بالحياة الاجتماعية، تلك الساحات التي كانت مكانا لتجول الأسر ولقاء الشباب بعضهم ببعض بل يهدد العديد من الوظائف.
فهل يكون هناك عام 2018 سببا للأمل؟
أصبحت هناك صورة معتادة بامتداد الطرق السريعة بعيدا عن المدن الأمريكية الكبرى، صفوف من المحلات المهجورة، جدران متداعية، خواء رتيب.
بعد أن كانت مراكز التسوق تزدهر في هذه الأماكن أصبح الجو تسوده الأشباح.
خلف زوال تجارة التجزئة الذي يوصف في أمريكا بـ “قيامة التجزئة” أنقاضا من العقارات ومدن أشباح في جميع أنحاء أمريكا.
يحذر خبراء من أن ما حدث ليس إلا بداية هجرة الزبائن إلى الإنترنت.
بينما كان الزبائن في السابق يستغلون التسوق في التنزه أصبحوا اليوم يطلبون متشرياتهم عبر الإنترنت خاصة عبر عملاق التسوق الإلكتروني أمازون الذي أصبح يعرض كل ما توفر بيوت التسوق والأسواق الحديثة بشكل متزايد.
وبذلك فإن ازدهار أمازون يحدث بشكل أساسي على حساب تجار البضائع الذين يعملون في محلاتهم.
مر هذا القطاع بعام مرعب رغم ازدهار الاقتصاد الأمريكي حيث خفضت أيقونات تسوق أمريكية مثل سلسلة متاجر مايسز، أحد أيقونات التسوق الأمريكية، أعداد العاملين لديها وفروعها بشكل واسع.
بل إن هذه السلسلة العريقة التي تأسست عام 1858 بدأت بيع ممتلكاتها العقارية لمواجهة خسائرها المتزايدة.
كما شعر منافسو مايسز مثل كولس أو جي سي بينيس بل والسلاسل التجارية التي تتمتع بوضع قوي مثل ولمرت أو تارجت بتنامي قوة أمازون.
بدى الأمر أكثر كآبة في أماكن أخرى حيث تتردد إشاعات قوية بشأن نية سلسلة أسواق سيرس العريقة للتجزئة إعلان إفلاسها.
كما أعلنت سلاسل ” Toys R Us ” لألعاب الأطفال إفلاسها مؤخرا.
وتقدمت أكثر من عشر سلاسل أمريكية مثل بيليس و جيمبوري و بيرفومانيا هذا العام بطلب لإشهار الإفلاس.
واختفت شركات كبيرة أخرى مثل سلسلة راديو شاك للمنتجات الإلكترونية، و سبورتس أوثوريتي من الأسواق بالفعل.
وربما كان كل ذلك مجرد بداية فقط حيث تتوقع كو ستار جروب للخدمات الاستشارية على سبيل المثال أن يصبح أكثر من 10% من مساحات تجارة التجزئة في الولايات المتحدة فائضا عن الحاجة العام المقبل.
ربما كانت مراكز التسوق الكبيرة الأكثر تضررا من ذلك حيث يتوقع خبراء بنك كريدي سويس أن يختفي 20 إلى 25% من هذه المراكز في غضون خمس سنوات.
وبشكل عام فإن الاختفاء المستمر للمتاجر ومحلات التجزئة التقليدية سيكون خطيرا على الاقتصاد الأمريكي وستكون له أيضا عواقب وخيمة اجتماعيا؛ حيث
تعتمد ربع الوظائف في الولايات المتحدة على هذا القطاع وفقا لاتحاد (NRF) الذي يمثل العاملين في قطاع التجزئة في أمريكا.
ورغم أن معظم هذه الوظائف ذات أجور متدنية إلا أنها مهمة حيث توفر فرصة عمل للكثير من الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليما مهنيا عاليا.
ومع كل ذلك فقد شهد هذا القطاع الذي يعاني من المشاكل بريقا من الأمل مؤخرا حيث وفر 12 ألف و 900 وظيفة جديدة في نوفمبر الماضي مقارنة بشهر أكتوبر “وهي إحدى أقوى الزيادات التي شهدناها هذا العام” وفقا لجاك كلين هينس، كبير اقتصادي اتحاد NRF.
ولكن لابد النظر لهذه الزيادة في ضوء تزايد الحاجة للوظائف في قطاع تجارة التجزئة على خلفية بدء موسم أعياد الميلاد ومعركة التخفيضات التي يشهدها هذا الموسم.
كما أن هذا التوجه القصير يخدع حيث تم تسريح أكثر من 70 ألف عامل في قطاع تجارة التجزئة الأمريكي منذ يناير الماضي وذلك وفقا لبيانات وزارة العمل.
إلى أين تتجه الرحلة؟ هذا ما يظهره بوضوح مؤشر الاستهلاك السنوي فيما يتعلق بعيد الشكر الأمريكي حيث أنفق الزبائن الأمريكيون خلال “الجمعة الأسود” و “اثنين الإنترنت” أموالا أكثر من أي عام مضى وذلك بفضل رقم قياسي جديد في التسوق الإلكتروني، وذلك وفقا لمحللي بيانات السوق في
مؤسسة أدوب ديجتال انسايتس.