في مجال الإعلام، أتاحت التحليلات الرقمية إمكانيات لم تكن متاحة سابقاً عبر وسائل الإعلام التقليدية. بالاستفادة من تحليلات القنوات الرقمية بأدق تفاصيلها، كالصفحات الأكثر تصفحاً والمناطق الأكثر جذباً وتفاعلاً داخل كل صفحة، صار بإمكان المؤسسات الإعلامية فهم شريحة متابعيها بشكلٍ أفضل وأدق. وبينما كان للتركيز على الكم فحسب نتائج إيجابية سابقاً، يتحتم اليوم على تلك المؤسسات الإعلامية أن تعمل على استهداف المتابعين بعناية واهتمام بتفاصيلهم المختلفة.
فالمحتوى الرقمي ونشره بالطرق والاستراتيجيات التي تتناسب مع شرائح المتابعين المستهدفة أصبح أساسياً لتعزيز تحولهم إلى عملاء أو على أقل تقدير استمرارهم في المتابعة والتفاعل. وليكون تنفيذ تلك الاستراتيجيات على أكمل وجه وأقل تكاليف ممكنة، تلعب التحليلات الرقمية دوراً رئيسياً في تقدير ما إذا كان المخصصات من الموارد على كل نشاط في محلها.
المحتوى الصحيح في الوقت الصحيح
بالنسبة لمجال الإعلام، تسلط التحليلات الرقمية الضوء على عنصرين، هما: المحتوى والجمهور المستهدف. عبر تفحص ومقارنة نتائج التحليلات الخاصة بكل منشور أو محتوى أو صفحةٍ ما، يمكن تقدير الأنسب منها من حيث إقبال وتفاعل الجمهور، ومعرفة أسباب ذلك.
منصة نيتفليكس -على سبيل المثال- هي إحدى أفضل الأمثلة في هذا الجانب. استفادت المنصة من التحليلات الرقمية لتحديد الاستراتيجيات المثلى في عرض المنتجات. ومما سهّل هذه المهمة مقدار البيانات المسجلة إثر سلوكيات المستخدمين داخل المنصة، بدايةً من دخولها وخلال كل ضغطة زر، وصولاً إلى آخر صفحة يزورها المستخدم. وبهذه الطريقة، تتعرف المنصة على المحتوى المفضل لكل شريحة من الجمهور، والأوقات والأماكن المناسبة لعرضها لهم.
وتحليلات المحتوى هنا تهدف لتقييم العلاقة والترابط ما بين تفاعل المشاهدين والمحتوى الإعلامي ذاته، مضافاً إليه تقييم تصميم الموقع وملاءمته لتجربة المستخدم. وباستكشاف الترابط بين معيطات كالوقت المستغرق بكل صفحة، ونسبة الارتداد أو الخروج الفوري بلا تفاعل، وعدد الصفحات المعروضة، يمكن للتحليلات أن تعطي مؤشرات للمحررين ومسؤولي الموقع للتحسين من نتائج تلك المعطيات. وبلا شك، تدخل في هذه العملية معطيات أخرى كطول المقالة ونوعية المقال والوسائط المستخدمة كالصور والمقاطع والروابط، وكذلك أماكنها على الصفحة. وبالنظر إلى تحليل الزيارات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي -كونها إحدى أهم القنوات الرقمية ومصادر الزيارات- تتمكن المؤسسات الإعلامية من تقييم الاستراتيجيات المعتمدة لديها في الدعاية على تلك المواقع، وما إن كانت مجدية أو تحتاج إلى تطوير.
البيانات الرقمية -وبالأخص تلك المتاحة من مواقع التواصل الاجتماعي- أتاحت الكثير من المعلومات حول العملاء أو المشاهدين القيّمة للتحليلات الرقمية المتقدمة. حسابات وصفحات التواصل الاجتماعي يمكن تصنيفها حسب المواضيع المتعلقة أو التي تهم مستخدميها، وهذا مما يتيح تفصيلاً أعمق يسهل للإعلاميين عملهم في إعداد محتوى أكثر فاعلية. ومن الاستخدامات الشائعة لهذا الجانب من التحليل تحديد الأخبار والبرامج والأفلام أو المسلسلات المفضلة للشرائح المختلفة من الجماهير، ومن ثم أخذ ذلك بعين الاعتبار عند إعداد استراتيجيات التسويق الرقمي.
حاجة ماسة لتعزيز الدعاية والإعلان
في حين أن الوقت الحالي هو بمثابة عصر ذهبي بالنسبة للحملات الإعلانية الرقمية، يبقى التحدي الأكبر في إبقاء هذه الحملات على قدر مناسب ومستقر من التفاعل ومدى الظهور. وهذا ما تتنافس عليه المؤسسات الإعلامية والدعائية من خلال العناية الفائقة في اختيار ما يُنشر، والاهتمام المستمر بمؤشرات الأداء.
التحليلات تلعب هنا كذلك دوراً رئيسياً في تقييم أثر الجوانب المختلفة في هذا المجال، كنوع الدعاية، وطريقة صياغة المحتوى والصفحة، ومكان الدعاية من بين مختلف العناصر المشاهدة. وبالنسبة للمؤشرات، فيُنظر عادةً في التفاعل من حيث تحركات المستخدم داخل الصفحة وضغطاته، والوقت المستغرق من دخوله للموقع إلى آخر صفحة يخرج منها. وبناءً على ذلك، تُطرح الاستراتيجيات والأساليب الفرعية لتحسين وتعزيز تفاعل المستخدمين وسهولة الاستخدام بصفة دورية على المدى الطويل.
تساهم التحليلات الرقمية كذلك في معرفة نوعية المنصات والأجهزة التي يستخدمها الزوار والمتفاعلين، وهذا مما يؤخذ بعين الاعتبار عند التطوير البرمجي ويساهم في تحديد الخصائص والمواصفات المطلوبة لكل نظام وأولويات العمل على كلٍ منها.
التواجد الرقمي لدعم التواجد الواقعي على الأرض
من الجدير بالذكر أن التحليلات الرقمية في مجال الإعلام ساهمت في تحسين المبيعات غير الرقمية على أرض الواقع، كمبيعات الجرائد والصحف والمجلات وحتى ما يخص القنوات التلفزيونية. البيانات الناتجة عن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن تحليلها لكشف المواضيع الدارجة والمتداولة والانطباعات حولها، مما يسهل عمل الأجهزة الإعلامية من اختيار وانتقاء المنشورات وما يُبث على وسائلها.
وكحلٍ بديل، تستخدم تحليلات أو دراسات للأغلفة أو الواجهات المستخدمة بالمواد الإعلامية السابقة لمحاولة فهم التصاميم التي أثرت إيجاباً أو سلباً، وأيٍّ منها يٌفضل أن يستمر العمل عليه من حيث المواصفات والملامح.
الخلاصة…
على عكس المجالات الأخرى -كالصحة وصناعات المنتجات الاستهلاكية مثلاً- يكمن التحدي الرئيسي بمجال التحليلات في النقص العام للمحللين المؤهلين، والجهات المختصة والمزودة لخدمات مماثلة كطرف ثالث. وبحكم أن مجال التحليلات مجال متغير ومتطور باستمرار، من الصعب الاحتفاظ بالموظفين بهذا الاختصاص وتطويرهم حصراً بمجال معين.
وللتغلب على هذه المشكلة، تُعتمد سياسات تدريب مرنة من خلال تكليفهم بمشاريع قصيرة المدى. وبهذه الطريقة يبتعد فريق العمل عن الروتين والنمط الواحد، ويكتسب مهارات متجددة قابلة للتطبيق في أي مجالات غير مسبوقة يمكن أن يتعامل معها مستقبلاً.
وبالنسبة لمجال الإعلام، فمن المهم جداً إدراك أن التحليلات لا تنحصر في أقسامه الإدارية أو المختصة بالعمليات فحسب. بل تكاد تستفيد كل الأقسام بمثل هذه المؤسسات من تلك التحليلات الرقمية المتاحة بأنواعها. فمنها مثلاً ما يختص بالتحليلات المالية والتسويقية، وتحليلات إدارة الموارد، وغيرها. والنقطة الأهم في هذا الجانب هي الاستفادة من البيانات المتاحة لدى أي قسم بأكبر قدرٍ ممكن وبالحلول المطورة لهذا الغرض.
المصدر