بقلم – بورنا دودابانيني*
يزداد التوجه نحو تحسين عمليات الأعمال على نحو ملموس، بل وحتى إعادة ابتكار الأعمال باستخدام تقنيات الأتمتة. ومن طرق الأتمتة الفعّالة الاستفادة من وجود الأفرقة، بحيث يتم تشكيل فريق المشروع أو مركز التميز للأتمتة لتحديد الأنشطة أو المهام المناسبة وصياغة عمليات الأعمال من جديد، قبل الانتقال إلى أتمتة الأنشطة. ومن الطرق الأخرى توفير تقنيات الأتمتة لمجموعة واسعة من الموظفين ممن يقومون بدورهم بأتمتة الأعمال.
ورغم أن إشراك مجموعة متنوعة من الموظفين في الأتمتة ليس بالأمر الجديد، فإننا نشهد ظهور أنواع جديدة ومؤثرة للغاية على نحو سريع، ومنها أتمتة عمليات الروبوتات RPA وأدوات الأتمتة العقلية التي تستخدم تقنيات تعلّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية وأشكالاً أخرى من الذكاء الاصطناعي. وبخلاف الأدوات القديمة، فإن هذه التقنيات الجديدة تمتلك إمكانات واعدة للغاية لأتمتة كميات أكبر من العمل اليدوي، وبالتالي منح المؤسسات مصادر متينة لدعم العمل التشاركي الفعّال والحوكمة.
وللاستفادة من إمكانات تلك التقنيات، فلابد للشركات من تنمية الأتمتة بكلا الطريقتين – أي عبر أفرقة المشروعات ومراكز التميز ومن خلال تفاعل الموظفين مع الأدوات وأتمتة أعمالهم، وجدير بالذكر أن الطريقة السالف ذكرها هي الأكثر انتشاراً حتى الآن.
إلا أن ذلك يفرض تحدياً: فكيف تستطيع الشركات تمكين الموظفين لتبني تقنيات الأتمتة بمزيد من الحماس والاستفادة من الأدوات المرنة وسهلة الاستخدام التي تحقق الحوكمة على نحو لا يزيد تعقيد مهام فريق تقنية المعلومات.
تعميم الأتمتة لتتاح للجميع
تتطلب إدامة نجاح الأتمتة من المؤسسات تطبيقها على نطاق واسع بحيث يُمكنها وضع الأهداف المناسبة وخلق الفرص الجديدة. فقد لا يوجد لدى معظم المستخدمين خلفية تقنية متخصصة، إلا أنهم قادرون على استعمال أدوات وبرمجيات الأتمتة، ويمكنهم أتمتة الأعمال من خلال أدوات الخدمة الذاتية أو حتى المشاركة في مبادرات أكثر تعقيداً، بما يشمل إعداد نماذج الأتمتة وتقديمها للاعتماد.
وبالطبع لن يحدث ذلك في الفراغ، فالأمر يتجاوز منح الموظفين إمكانية استخدام تلك الأدوات بحيث يتعين على المؤسسات تعريف الأفراد بإمكانات الأتمتة وتشجيع الاستفادة منها ووضع التوجيهات الواضحة وبرامج التدريب وتوفير الحوافز.
وتنبع حركة تعميم الأتمتة التي نشهدها في هذه الآونة من عدة توجهات حديثة:
- بطء النمو في إنتاجية الأيدي العاملة
- ندرة أصحاب المواهب التقنية
- فهم الموظفين للتقنيات الرقمية
- التقنيات سهلة الاستخدام
وعلى الرغم من وجود العديد من مراكز التميز للأتمتة لدى المؤسسات، إلا أنها واجهت مصاعب جمة في التوسع لأكثر من بضع عمليات. ويمكن لتعميم الأتمتة تحقيق التوسع على نطاق أكبر عبر استهداف حالات الاستخدام التي لا يمتلك مركز التميز القدرة على استيعابها أو قد يفوتها بسبب محدودية المعرفة بعمليات الأعمال، كما أنها تعزز إنتاجية فريق العمل ومهاراته.
ما العقبات التي تمنع تعميم الأتمتة؟
رغم الحاجة الواضحة للتعميم، فقد تمكّن عدد ضئيل من المؤسسات فقط من إحراز تقدم ملموس نحو تعميم الأتمتة على نطاق واسع – ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أربعة أسباب:
- الخوف من فقدان الوظيفة – حيث يلاحظ العديد من المديرين تردد الموظفين في أتمتة الأعمال انطلاقاً من خوفهم من فقدان وظائفهم.
- تزايد المخاطر المرتبطة بأمن البيانات وتقنية المعلومات – حيث لا ترغب بعض الشركات وضع الأتمتة بين يدي مستخدمي الأعمال لأسباب ترتبط بالأتمتة من حيث زيادة في مخاطر أمن البيانات وتقنية المعلومات. وينطبق ذلك بشكل خاص على القطاعات الخاضعة للضوابط التنظيمية الصارمة مثل، الرعاية الصحية والخدمات المالية.
- تدني مستوى الثقة بالموظفين – لا يؤمن جميع المديرين بقدرة الموظفين على التعلم والتطور لاستخدام أدوات الأتمتة على نحو فعّال، لأنهم يرون أن تلك الأدوات مُعقدة وتتطلب معرفة تقنية متعمقة.
- التغيرات الهائلة وارتفاع التكلفة – سيتطلب الأمر تغيير العمليات الحالية، ويعتقد المديرون بأن الموظفين قد لا يمتلكون الوقت اللازم لتعلم استخدام الأدوات الجديدة. كما يراود المؤسسات القلق حيال الأدوات الجديدة وما قد تفرضه من نفقات متزايدة أو حاجتها إلى موارد إضافية لتقنية المعلومات من أجل إدارتها وإدامتها.
ولكن معظم تلك الأفكار ليست وليدة التجربة الفعلية، حيث يوجد عدد قليل من الشركات التي تدير برامج موسعة وواضحة للأتمتة على نطاق كبير. ونتيجة لذلك، فإن العديد من كبار القادة والمديرين ربما لا يفهمون تمامًا شعور الموظفين تجاه الأتمتة.
العقبات التي تمنع تبني الموظفين لأدوات الأتمتة
توجد ثلاث فئات من العقبات التي تسهم في إبطاء توجه الموظفين لاعتماد الأتمتة، على الرغم من الاهتمام الكبير:
- عقبات فكرية – تظهر البيانات بأن الأتمتة ليست مشكلة للموظفين، ولكنهم يواجهون مصاعب كبيرة في تحديد حالات الاستخدام الملائمة للأتمتة في أعمالهم اليومية، والكثير منهم غير واثقين من القيمة التي ستضيفها الأتمتة إلى أعمالهم اليومية.
- عقبات تنظيمية – يبتعد الموظفون عن استخدام الأتمتة في حال لم يتم إقرارها بشكل رسمي في مؤسساتهم أو عندما لا تتوفر برامج تدريبية مخصصة لها.
- المنتج والتدريب – غالباً ما يعتقد الموظفون بأن المنتجات صعبة الاستخدام، فيما تفتقر المؤسسات إلى وجود التدريب الفعّال والمتسق لتعريف الموظفين بها.
أربع توجيهات للتوسع الفعال
عند النظر إلى الأمر بصورة شمولية، يتضح لنا أن هناك آراء مختلفة تؤثر في إعداد مبادرات الأتمتة لدى الشركات.
فمستخدمو الأعمال يرغبون في توفير الوقت للقيام بالأعمال الأكثر قيمة ولتحسين مهاراتهم – ولكنهم يشعرون في الغالب بأنهم مقيدون بأفرقة تقنية المعلومات ومراكز التميز. أما أولئك الذين يتطلعون لاستخدام الأتمتة وتطويرها فقد يواجهون صعوبة في الحصول على الدعم اللازم.
ومن جانبها، لا ترغب أفرقة تقنية المعلومات ومراكز التميز بمنح مستخدمي الأعمال السيطرة الكاملة على تحديد وإدارة وبناء الأتمتة، انطلاقاً من مخاوف تتعلق بالجودة والأمن والحوكمة والتدريب ونشر الأدوات وقابلية توسع حلول الأتمتة، بالإضافة إلى مخاوف التكلفة.
أما المسؤولون التنفيذيون فيهتمون أكثر بتمكين النمو وتعزيز الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات ورضا العملاء. فهم مهتمون بالأتمتة فقط في حال كانت ستحقق قيمة ملموسة للأعمال.
وانطلاقاً من كل تلك الآراء، تشير تجربة الشركات الرائدة التي تغلبت على عقبات الأتمتة إلى أربعة محاور أساسية للنجاح:
- المُضي قدماً رغم العقبات: يوجد لدى معظم الشركات العديد من أولويات الأعمال، والتي تتعارض فيما بينها أحيانًا. والتساؤل هو لم نهتم بالأتمتة على حساب الأولويات الأخرى؟ يحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى إقناع المسؤولين بأن الأتمتة مطلب جوهري لإعادة صياغة الأعمال، وهو أمر يتطلب من قادة الأعمال والأقسام الوظيفية المختلفة – بدعم من مراكز التميز للأتمتة- تحديد وتنفيذ أفكار الأتمتة، كما يحتاج مساهمة كل موظف في تحقيق أهداف الأتمتة. كما سيكون على قادة الأعمال تغيير النظرة التقليدية للأتمتة كمبادرة مفروضة على الموظفين، ليروها كمبادرة تعاونهم وتساعدهم.
- إلهام الموظفين: كما أسلفنا، فإن مستوى الوعي بالأتمتة منخفض، ولهذا فإن على القادة، إلى جانب إقناع فريق الإدارة بأهمية الأتمتة، إلهام الموظفين وتحفيزهم ليهتموا بالأتمتة ويستخدمونها في أعمالهم اليومية.
ومع انتشار الأتمتة، فيُمكن أن تتضمن أهداف الأداء الفصلية ربط نقاط استخدام التقنيات الرقمية باعتماد أدوات الأتمتة. ويمكن للمؤسسات إنشاء سجلات رقمية للموظفين بحيث تُمكنهم من تحديث ومتابعة المراحل الرئيسية عبر المسار المهني لكل فرد. وتمامًا كما تسعى الشركات لإثارة اهتمام المستهلكين وجذبهم لشراء منتج ما، فيمُكن أن تستخدم أسلوب تسويقي مماثل لتعزيز الاهتمام بالأتمتة على الصعيد الداخلي.
* مدير مركز التميز للأتمتة لدى بين آند كومباني في دالاس، وحسام جميلي، الشريك لدى بين آند كومباني في الشرق الأوسط، بالتعاون مع UiPath