دبي – أصبحت مهنة المحاسبة على مفترق الطرق مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة التي تُحدث ثورة في طريقة عمل المحاسبين. وقد أثبت الذكاء الاصطناعي نجاعته في أتمتة المهام المحاسبية المتكررة بما يعزز الدقة والكفاءة ويمكّن الشركات من التعرف على الرؤى والاتجاهات الخفية التي قد تؤثر على أعمال العملاء. وبإمكان هذه التقنيات تحميل الوثائق وفهم المدخلات وتصنيفها باستخدام الرموز المحاسبية المناسبة.
وقد أدى التحول إلى تمكين المحاسبين من إنجاز مهام أكثر باستخدام مصادر أقل، الأمر الذي وفر مزيداً من الوقت والجهد لوضع اللمسات الإبداعية في تحليل البيانات وتفسيرها لاستخلاص قيمة حقيقية تفيد العملاء.
ومع تسارع وتيرة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يقدم بيتر جون بيشوب، نائب الرئيس لشؤون الشركاء والمحاسبين والتحالفات في إفريقيا والشرق الأوسط، ثلاث ميزات إضافية تتمثل في المحاسبة غير المرئية، والتدقيق المستمر، والمعلومات والرؤى النشطة.
المحاسبة غير المرئية
في بداية العام 2020، ابتعد كثير من المحاسبين عن نماذج الخدمة التقليدية وعمدوا إلى تجديد أساليبهم الأساسية ومنهجيات التوظيف والمهارات بهدف تزويد العملاء بخدمات استشارية متكاملة. وقد استطاع المحاسبون فعل ذلك لأن الذكاء الاصطناعي ساعدهم على التخلص من المهام اليومية المتكررة وزيادة كمية البيانات الجاهزة والمتاحة، الأمر الذي عزز إمكانية فهم الوضع الحالي واتجاه الأعمال لدى عملائهم.
ويمكن للمحاسبين كذلك وضع قواعدهم الخاصة أو استخدام القواعد التي تولدها تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي بشكل أوتوماتيكي لتحسين إنتاجية الأعمال والتوفير في الوقت. ووفقاً لحساباتنا، يستطيع برنامج Bank Rules تحقيق وفورات للشركات تصل إلى أكثر من خمسة أعوام من الإدخال اليدوي للبيانات إذا كان المعدل الوسطي لإدخال المعاملة يدوياً يستغرق 20 ثانية.
وكلما ازداد استخدام برنامج Bank Rules، ارتفعت معه كفاءة النظام وسرعته لأن البرنامج يتعلم باستمرار من مدخلات المستخدم وردود فعله. يحصل كل هذا خلف الكواليس، ومن هنا جاءت تسمية المحاسبة غير المرئية. تقوم تقنيات الذكاء الاصطناعي بإدارة عملية جميع البيانات وتصنيفها وتصورها بطريقة تساعد الشركات والأعمال على تعزيز كفاءتها.
التدقيق المستمر
تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي شركات المحاسبة على تعزيز الثقة عبر ضمان الحماية المالية والضبط المالي. وفي ظل تزايد بيانات المعاملات الإلكترونية، تزداد معها احتمالات حدوث الاحتيال المالي وأخطاء المحاسبة اليدوية والدفعات غير النزيهة، ما يجعل عملية الامتثال أمراً أكثر تعقيداً. لكن من ناحية أخرى، تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي مراجعة هذه البيانات بسرعة، كما يمكنها الكشف عن عيوب مثل الفواتير المتكررة، وتحديد الروابط بين الدفعات غير الاعتيادية، وتوجيه النفقات للفئات الصحيحة لكي لا تضطر أي شركة إلى الدفع مقابل منتجات أو أشياء لا ينبغي دفع قيمتها.
وإن استعمال الأنظمة المؤتمتة لمكافحة الاحتيال وإدارة الشؤون المالية يساعد على تحسين عمليات الامتثال بشكل ملموس في ممارسات المحاسبة. كما أن تنفيذ الخدمات الاستراتيجية التنبؤية يسهم في حماية الأمور المالية لشركات المحاسبة والعملاء، خاصة وأنهم سيتمكنون من الكشف عن أي مشاكل قبل وقوعها.
وعلاوة على ما سبق، تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي المحاسبين على مراقبة نشاط الأعمال في الوقت الحقيقي وإجراء تعديلات مثل التراكمات الجارية خلال الشهر، ما يقلل من أعباء إعداد التقارير في نهاية الفترة المالية.
المعلومات والرؤى النشطة
إن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة تتيح توفير معلومات قابلة للتنفيذ في الوقت الحقيقي. ومن خلال توليد بيانات من تفاصيل العملاء الديموغرافية وبيانات المعاملات السابقة والمصادر الخارجية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المحاسبين على تحسين دفق عملهم واتخاذ قرارات أعمال أفضل، ما يساعدهم على التفكير بالمستقبل بوضوح.
فمثلاً، يساعد استخدام البيانات لتوقع الدفق المالي، الشركات على توقع متى يمكن أن تنفد أموالها والتصرف قبل حصول ذلك. ومن خلال استكشاف نماذج سلوكيات العملاء، تمكّن تقنيات الذكاء الاصطناعي الشركات من فهم سبب رحيل العملاء وتحسين استراتيجيات الحفاظ على العميل.
وكل ذلك يعني أن المحاسبين يمكنهم مساعدة العملاء على التعامل مع التحديات المالية قبل أن تتعقد من خلال تعديل النفقات أو العمليات كما يجب. ومع تطور هذه التقنيات، سيتمكن المحاسبون قريباً من توفير خدمات استشارية تنبؤية تتجاوز مجرد التخطيط المالي لتشمل مجالات أخرى من الأعمال.
إن مهنة المحاسبة تشهد تطوراً مستمراً وأصبحت أكثر تعقيداً. وفي حين ما زالت القواعد المالية نفسها، تتغير قواعد وطرق تنفيذ الأعمال. وما لا شك فيه أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستسرّع وتيرة تطور هذه المهنة من مجرد مهام مسك الدفاتر والحسابات التقليدية لتشمل الآن معلومات ورؤى مستقبلية تساعد على اتخاذ قرارات استراتيجية. وهكذا سيتغير دور المحاسبين من التخصص في الأرقام والحسابات فقط إلى صناع التغيير حقيقيين في قطاع الأعمال.