بقلم: داميان جاومي*
دبي- نعيش حالياً فترةً غير مسبوقة على الصعيدين الشخصي والمهني، فقد أثّرت جائحة “كوفيد-19” بشكل جوهري على آليات عمل المؤسسات والموظفين، والأهم من ذلك على سبل التعاون ضمن بيئة العمل. ومع أنّ الجائحة لا تزال تعصف بمناطق عدّة حول العالم، إلا أنّ قيود الإغلاقات بدأت تخفّ والاقتصادات آخذة بالنهوض شيئاً فشيئاً، وشرع قادة الشركات بمناقشة الدروس المستقاة من هذه الأوقات العصيبة وكيفية الاستفادة منها لرسم مستقبل عالم الأعمال.
وحتى قبل تفشّي الفيروس، كانت العديد من الشركات تعاني من ضعف الإنتاجية وتبدي حاجةً ملحّة للتغيير. ومع أن المشكلة لا يمكن معالجتها بحلٍّ واحد فقط، إلا أن العمل الجماعي ضمن بيئة العمل يشكّل العامل الأبرز – ليس فقط لتحسين الإنتاجية، إنما أيضاً لتحفيز الملكات الإبداعية ومهارات حلّ المشاكل بما يؤدي في نهاية المطاف إلى سياسة أفضل للاحتفاظ بالموظفين وتحقيق مخرجات عمل أكثر نجاحاً. ومن المفاجئ القول إن التعاون ظلّ في كثير من الأحيان واحداً من أساليب العمل التي أغفلت الشركات قيمتها الحقيقية ولم تفلح بذلك في تحقيق الفائدة القصوى منها.
توظيف الأدوات المناسبة
تغيّرت مجريات الأمور بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، فأضحى التعاون ضرورياً لجميع المؤسسات التي انتقلت سريعاً إلى تبني نموذج العمل عن بعد. وفرضت جائحة “كوفيد-19” على العديد من الشركات واقعاً جديداً لم يعد فيه العمل الجماعي يقتضي حضور الموظفين في نفس المكان، وقد كان للتكنولوجيا دور حاسم في هذا التغيير. واكتسبت مؤتمرات الفيديو تحديداً شعبية واسعة خلال تفشي الجائحة باعتبارها التكنولوجيا الأكثر استخداماً خلال فترات الإغلاق، حيث توجهت الشركـات إلى استخدام برامج مثل “جوجل مييت” و”مايكروسوفت تيمز” وZoom لربط الموظفين والعملاء عن بعد. وقد تم خلال شهر مارس الماضي تسجيل 62 مليون عملية تحميل لتطبيقات مؤتمرات الفيديو.
وفي ضوء تزايد الاعتماد على برامج مؤتمرات الفيديو والخدمات السحابية الأخرى لغرض تيسير التعاون في العمل، ارتفع الطلب على أجهزة الحواسيب المحمولة مع سعي الشركات إلى تزويد موظفيها بالمعدات الأنسب للعمل من المنزل. وكشفت دراسة أجرتها شركة “آي دي سي” للأبحاث ارتفاعاً بنسبة الثلث تقريباً في حجم الطلب السنوي على أجهزة الحواسيب المحمولة في أوروبا خلال الربع الأول من العام الجاري.
ويتعين على الشركات التي تستثمر في التكنولوجيا الجديدة أن تدرك بأن نجاح التعاون عن بعد يتطلب أكثر مما هو متوقع غالباً؛ حيث تتأثر بيئة العمل عن بعد بعـوامل عدة مثل سعة التخزين الداخلية لجهاز الحاسوب، وسرعة وقوة المعالج، وذاكرة التخزين العشوائية RAM، وتحديثات نظام التشغيل، والأهم من ذلك كله قدرات الاتصال. ولتحقيق ذلك وتجنّب فترات التعطّل المكلفة، لا بدّ من تزويد الموظفين بجهازٍ يلائم احتياجاتهم يكون مزوّداً بأحدث تقنيات الانترنت اللاسلكي WiFi، والبلوتوث، والتوصيلات الطرفية مثل منافذ HDMI وUSB. ليس هذا فحسب، بل يجب أن يحتوي الجهاز أيضاً على كاميرا موثوقة الأداء، وأن يوفر صوتاً عالي الجودة ودرجة منخفضة لضجيج المروحة مع اعتماد الموظفين بشكل كبير على مكالمات الفيديو للتنسيق فيما بينهم.
أساليب عمل جديدة… تقنيات جديدة
ليست الحواسيب المحمولة وحدها هي التي تلعب دوراً جوهرياً في تعزيز التعاون خلال هذه الفترة، بل هناك أيضاً التقنيات القابلة للارتداء والتي كانت على وشك أن تصبح اتجاهاً سائداً لبعض الوقت. وقد أدت بيئة العمل غير المسبوقة التي أوجدتها الجائحة إلى تقدّم بعض التقنيات مثل “الواقع المدعم” لتتخطى مرحلة إثبات المفاهيم، وتفتح الباب أمام استخدامات جديدة، وتبرهن قدرة التقنيات القابلة للارتداء على حفز التعاون بين الفرق العاملة عن بعد.
وتختلف تقنية الواقع المدعم عن تقنيتي الواقع المعزز والواقع الافتراضي، حيث تختص بعرض المعلومات ضمن المجال المرئي المباشر للمستخدم دون استخدام اليدين. ومع النظارات الذكية التي تعمل بهذه التقنية، يمكن عرض رسوم بيانية ونصوص وصور ومقاطع فيديو دون أن تتداخل مع الرؤية المحيطية للمستخدم.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لهذه التقنية أن تدعم التعاون في المرحلة الراهنة وفي المستقبل عندما تصبح “النمط السائد الجديد”؟ يمكننا أن نتبين أهمية النظارات الذكية التي تعمل بتقنية الواقع المدعم في إنجاز المهام الحساسة التي لا بد من استمرارها حتى خلال فترات الإغلاق العام حين يتعذر على فرق العمل الوصول إلى مواقعهم، ومنها على سبيل المثال صيانة معدات محطات الطاقة. ففي حال واجه أحد التقنيين في محطة طاقة محلية مشكلةٍ ما، يمكنه حينها استخدام ميزة “الخبير عن بعد” (Remote Expert) باستخدام نظارات الواقع المدعم للتواصل مع خبير مختص قد يكون مقيماً في دولةٍ أخرى، حيث يعرض المشكلة عليه باستخدام شاشة وكاميرا مثبتتين على الرأس، وبذلك يقدم الخبير المشورة والمساعدة اللازمة لإصلاح الخلل. وفي ظل الأزمة الحالية، تنتفي الحاجة إلى تواجد فرقٍ عدة في موقع العمل، مما يقلل بالتالي خطر انتقال العدوى. أما مستقبلاً، فيقلل ذلك من الحاجة إلى السفر أو التواصل المباشر وجهاً لوجه.
ورغم سهولة تصوّر هذا المثال، يبقى هناك استخدامات أقل وضوحاً ربما تقود لإعادة التفكير بمستقبل التعاون. وبالنسبة للعاملين في المكاتب أو المنازل، توفّر النظارات الذكية وسيلةً للتواصل التفاعلي عن بعد من خلال استرجاع الوثائق وتعليمات سير العمل، واستطلاع البيانات بشكل فوريّ مع إتاحة التحدث المباشر بين الأفراد. ومع انتقال المؤسسات للعمل عن بُعد حتى بعد انقضاء جائحة “كوفيد-19″، لربما يصبح هذا الأمر ممارسةً أكثر شيوعاً للتعاون المستقبلي.
لقد وفرت جائحة فيروس كورونا لقادة الأعمال فرصةً فريدةً لإعادة تقييم وتصور عملياتهم التشغيلية وخبرات موظفيهم. وكشف استطلاع أجرته مؤسسة الدراسات والأبحاث العالمية جارتنر مؤخراً أن 48% من الموظفين ربما سينتقلون للعمل عن بعد لبعض الوقت على الأقل بعد الجائحة مقارنةً بنسبة 30% قبلها. وبالنسبة للكثير من الموظفين، شكّل العمل عن بعد تحدياً ونجاحاً لهم في آن معاً؛ إذ لم يستحدث نموذج العمل هذا وسائل جديدة للتعاون وحسب، بل أثبت ضرورة إدراجه في صميم أيّ استراتيجية مؤسسية مستقبلاً.
*رئيس شركة “دينابوك يوروب ذ.م.م”