بقلم: غيرهارد هارتمان *
لم يكن العام 2020 عام الريادة الابتكارية فقط، بل والتحول السريع كذلك.
لقد سرّع وباء كوفيد-19 الكثير من التوجهات، لا سيما الاعتماد المتنامي على التقنيات الرقمية، التي شهدت إقبالاً متزايداً في السنوات الأخيرة. ولقد أصبح الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة الآن جزءاً من عملنا وحياتنا بطرقٍ لم نكن لنتخيلها قط.
وفق تقرير صادر عن “ماكينزي”، هناك زيادة سنوية نسبتها نحو 25% في استخدام الذكاء الاصطناعي بمجال الأعمال نتيجة الوباء، ويتفق 63% من المديرين على أنه ساهم في تحقيق زيادة بالإيرادات. على وجه الخصوص، ساعدت الأتمتة بمجال التمويل على تنظيم العمليات وادخار الوقت الثمين للمهنييين الذي بات يخصص الآن لأغراض مفيدة أخرى. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي ليس التكنولوجيا الناشئة الوحيدة التي تقود الابتكار الرقمي.
وبينما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في صياغة أي استراتيجية للتحول الرقمي- سواء كانت أتمتة بسيطة لعملية روبوتية أو إمكانات معالجة اللغات الطبيعية، فلا يمكنها إحراز النجاح بمفردها- تحتاج لأن تكون جزءاً من برنامج أوسع لاندماج وتكامل البيانات. وحينذاك تستطيع أقسام الرواتب والمحاسبة والموارد البشرية وإدارة علاقات العملاء أن تستفيد جماعياً من الابتكار على المستوى التشغيلي.
في العام التالي، سيحدث الابتكار الحقيقي حول الأفراد. فالحاجة الماسة إلى العمل عن بعد أبطلت الكثير من عمليات التفاعل التي كانت من المسلمات- سواء كانت الذهاب إلى مكتب زميل لطرح سؤال أو اللقاء مع العميل وجهاً لوجه. إن التحديات التي يفرضها العمل عن بعد تطفو تدريجياً على السطح ويعبّر عنها الموظفون في أنحاء العالم. لذلك، سيركز الاستثمار التكنولوجي على الافراد- الموظفين والعملاء المهمين في نجاح الشركة.
من أجل مواكبة عصرنا الحديث القائم على العمل عن بعد، ستظهر تقنيات جديدة تساعد العاملين على البقاء سعيدين ومتمتعين بالصحة والإنتاجية مع تقديم تجارب أقوى للعملاء.
لا تنس السحابة
يستحوذ الذكاء الاصطناعي على العناوين الرئيسية في غالب الأحيان، لكن السحابة كانت البطلة الفعلية لعمليات الأعمال في عام الوباء. بينما تستمر حالات الإغلاق المتقطع في المستقبل المنظور، يتضح أن الشركات ستعتمد أكثر فأكثر على التقنيات السحابية لتمكين الموظفين من العمل عن بعد والإبقاء على قنوات العملاء مفتوحة.
على أي حال، يضم نموذج الأعمال السحابية المنفرد بعض العقبات. يستمر غياب التكامل بين مختلف الأقسام ومنظومات البيانات في منع الشركات من بلوغ طاقاتها القصوى. كما تتأخر القرارات بينما يتدافع الموظفين للعثور على البيانات التي يحتاجونها من أجل أسلوب عمل أكثر استقلالية. علاوة على ذلك، لا يزال العديد من الموظفين يكافحون للتأقلم مع بيئة العمل عن بعد. نتيجة ابتعادهم عن زملائهم، يشعر الموظفون بالارتباك والافتقار للدعم- وليس لدى قسم الموارد البشرية مجال واسع للتدخل والمساعدة. يظهر استطلاع رأي أجرته (Monster Poll) أن 69% من الموظفين يبلغون عن أعراض للإجهاد جراء العمل عن بعد. ودون وجود حلّ يلوح في الأفق، ستستمر المعنويات والإنتاجية والتعاون في التأثر بطريقة سلبية.
تقود الأعمال الرقمية إلى تزايد مطالب العملاء، بينما يبدأ الموظفون في أرجاء العالم بفهم ما يحدث. إذ أصبح العملاء معتادين على الخدمات الرقمية بطبيعتها المريحة والفورية. فالقدرة على المنافسة في الوقت الحاضر تنحصر في توفير تجربة عميل جذابة- متخصصة وذكية وسريعة- على الرغم من غياب التفاعل الشخصي. ولأجل التميز على هذه الساحة، يتعين عليك أن تكون طموحاً فيما تقدمه للعميل من تجارب- وهذا يعني امتلاك معلومات فريدة عن العملاء.
إتقان العمل في المكتب الخلفي
على الشركات أن تضع الابتكار حول التكامل ضمن أولوياتها- بحيث تضمن حصول الموظفين على البيانات من مختلف الاقسام ومن بعضهم البعض. إن أدوات التعاون السحابية، مثل “زوم” و”مايكروسوفت تيمز”، تغدو أساسية في عملياتنا اليومية. مع ذلك، لابد من فعل المزيد لضمان أن يشعر الموظفون بالاتصال مع اقسام الشركة الأخرى. على سبيل المثال، عندما يتمكن العامل بقسم الرواتب من العثور على بيانات الموظفين بسرعة، أو عندما يدخل مدير الأفراد إلى أنظمة الموارد البشرية من منصة التعاون، تجني الشركة مكاسب حقيقية على صعيد الكفاءة والإنتاجية.
تكامل منظومات وتطبيقات البيانات ليس سوى بداية. يتوجب على الشركة لكي تتمتع بالسرعة أن تستثمر في تنظيم العمليات. تسهم حلول إدارة المشاريع وتخطيط مصادر المشاريع بالفعل في تحسين فاعلية الشركات حول العالم، وفي مجالات شتى مثل إدارة الافراد والمبيعات وسلاسل التوريد. إنها تقدم حلولاً شاملة تعطي نظرة عامة كاملة حول العمليات. حين يتمكن كل موظف من الدخول إلى هذا النظام المتكامل، سوف يتحرر بالفعل من التعقيدات المؤسسية، ويستطيع اتخاذ القرارات بثقة تامة، والأهم من ذلك، أنه يستطيع التركيز بشكل أفضل على العمل.
بينما لا يوجد حل يناسب الجميع، ينبغي للشركات أن تستهدف إقامة بنية تحتية ذكية ومتكاملة تتيح البيانات متى أرادها الموظف أو العميل. إن وجود طبقة بيانات متكاملة من شأنه وضع الأساس لأنظمة مؤتمتة ذكية تقوم على الذكاء الاصطناعي بحيث يمكنها الاستجابة لمتطلبات العميل بفاعلية وتحسين طرق الناس في العمل.
الابتكار يغذيه الأفراد لا التكنولوجيا
من الواضح أن الشركات التي تلتزم بتحديث نماذج أعمالها والبقاء متصلة وسريعة ومتجاوبة هي التي ستتمكن من الازدهار في عصر التكنولوجيا الرقمية أولاً وعصر التكنولوجيا الرقمية فقط. ستواصل حلول الذكاء الاصطناعي لعب دور حيوي في دنيا الأعمال بالمستقبل. مع ذلك، فإنها تحتاج لأساس قوي من البيانات والعمليات المتصلة لكي تبلغ طاقاتها القصوى.
التكنولوجيا وحدها لا تحوّل الأعمال- أما الأفراد المتسلحين بالبيانات والتكنولوجيا فيمكنهم فعل ذلك. إن الغاية من التكنولوجيا هي أن تخفي العمليات والعقبات عن الأنظار، وأن تمكّن الشركات من التركيز على الأهم.
*نائب رئيس قطاع الأعمال المتوسطة في سايج أفريقيا والشرق الأوسط